خطاب حيدر علييف رئيس الجمهورية الأذربيجانية في حفلة الاستقبال الرسمي التي نظمها اللورد ريتشارد نيكولس رئيس بلدية لندن تكريما له لندن، قصر غيلد هول، ٢١ يوليو سنة ١٩٩٨
السيد المحترم اللورد رئيس البلدية!
السيدات والسادة المحترمون!
واني أرحب بكم بحفاوة وأتمنى لكم جميعا الصحة والسعادة.
السيد المحترم اللورد رئيس البلدية، فاني أشكركم على ضيافة اليوم. واستمعت بفائق الامتنان إلى خطابكم وان الافكار التي قلتها حول أذربيجان والعلاقات بينها وبين المملكة المتحدة ومستقبل تعاون بلدينا جعلتني ممتنا جدا.
هذا ويسعدني جداانني معكم اليوم، هذا المساء في هذه القاعة. واني والوفد الأذربيجاني الذي يشترك معي في قصر غيلد هول يتفهم أننا في بناية تاريخية تقع على مركز لندن.
وقرأنا كثيرا وعرفنا من الكتب المزيد من الأشياء عن بلدكم وشعبكم وتاريخ شعبكم البطولي وحضارتكم وأدبكم وعلمكم. وان المعلومات التي اكتسبناها عن بلدكم وشعبكم من الكتب، ثم من الأفلام أعجبتنا دائما وجعلت الشعب الأذربيجاني يصبو إليكم وإلى بلدكم.
وهذه هي المرة الثانية التي اشترك فيها في الحفلة الحكومية بهذه القاعة العظيمة في هذا القصر حيث اجتمع بشهر مايو سنة ١٩٩٥ رؤساء الدول للعالم وخاصة رؤساء الدول والحكومات والوفود من أوربا تلبية لدعوة ملكة المملكة المتحدة وكنا نحتفل معا بذكرى مرور خمسين عاما على الانتصار في الحرب العالمية الثانية.
ان الشعوب الاوربية قد قدمت تضحيات كثيرة في الحرب العالمية الثانية، من جملتها فان الشعب الأذربيجاني ايضا قدم تضحيات كثيرة جدا. ولكل شعب وكذلك للشعب الاذربيجاني فضله ونصيبه في الانتصار سنة ١٩٤٥. لذلك فاني كنت أشترك بوصفي رئيسا للجمهورية الأذربيجانية المستقلة في تلك الحفلة كضيف متساوي الحقوق.
وأتذكر اليوم أيضا الحفلة والاحتفال الذي أقيم سنة ١٩٩٥ في هذه القاعة بحضور ملكة المملكة المتحدة ورؤساء الدول الأوربية.
لكني متأثر اليوم أكثر مما كنت عليه. بما ان ضيافة اليوم ما كرست إلا للجمهورية الأذربيجانية المستقلة والوفود الحكومية منها ورئيسها. واننا ندرك هذا ونقدر عاليا.
هذا فان كل شيء هنا يدل على التاريخ البطولي لبريطانيا العظمى. لكم كان المعماريون والبناة والمواطنون العاديون بارعين ومفدين عندما شيدوا وبنوا هذا القصر في القرون الوسطى. فانهم خلفوا تراثا كبيرا للأجيال الحالية لبريطانيا العظمى، المملكة المتحدة وتستحقون أن تفتخروا بإنجازاتكم التاريخية هذه. واننا نشارك سروركم معكم بكوننا نكن مشاعر الاحترام والحب الكبير لبلدكم.
منذ يومين وتستمر زيارتي الرسمية لبلدكم. ان هذه الزيارة الرسمية التي نقوم بها تلبية لدعوة السيد توني بلير رئيس وزراء بلدكم تحمل أهمية بالغة لتطوير العلاقات بين المملكة المتحدة واذربيجان. وعقدنا خلال اليومين المنصرمين لقاءات متعددة واجرينا محادثات ووقعنا اليوم على الوثائق - المعاهدات والاتفاقيات التي لها أهمية بالغة لبلدينا والتعاون المستقبل.
قبل هذا بـ٤ سنوات وصلت بوصفي رئيسا لأذربيجان في أول زيارة رسمية إلى بلدكم في شهر فبراير سنة ١٩٩٤. قد تم التوقيع حينذاك على أول معاهدات ووثائق بين بلدينا وحكومتينا. كما تم التوقيع على عدد من الوثائق في سنوات ما بعده أيضا وأنشئت قاعدة أحكام قانونية كافية لاقامة التعاون وانشاء علاقات الصداقة بين بلدينا وحكومتينا.
هذا ويسرنا جدا ان العلاقات بين بلدينا تطورت وتوسعت بصورة متتالية خلال السنوات المنصرمة ولا تزال على المستوى العالي. وحضرنا أمس اجتماع أعضاء الجمعية البريطانية الأذربيجانية في فندق "كلاريج" حيث احتشد عدة مئات من الحضور. على ما اعلم فانه كان هناك كثير من الراغبين في الاشتراك في ذلك الاجتماع لكن لم تكن لدى رئاسة الجمعية امكانية فقط لهذا.
لكن هذا لم يكن موجودا قط في سنة ١٩٩٤ وكانوا يعرفون في بلدكم أذربيجان معرفة أقل بكثير. وخلال هذه الفترة التاريخية القصيرة لقد أنشئت هنا كذلك جمعيتنا الكبيرة ويرأسها الشخصيات المعروفة جدا وذات النفوذ لبلدكم والذين شغلوا المناصب الحكومية على مدى سنوات.
لقد أنشئت غرفة التجارة المشتركة لبلدينا وتقوم بعملها فعلا وتتوصل إلى النتائج الحسنة. كما تعمل في أذربيجان أكثر من ١٠٠ شركة من المملكة المتحدة.
اما شركة "BP" لبلدكم فانها وحدها استثمرت أموالها في حجم ٢٦٠ مليون دولار في أذربيجان لتحقيق المعاهدات. فيما يتعلق بشركات المملكة المتحدة التي تعمل بطلبيات شركة التشغيل الدولية الأذربيجانية المعنية بتحقيق المعاهدة الأولى الموقعة في ١٩٩٤ فتلقت طلبيات في حجم ٣٥٠ مليون دولار وتعمل عليها.
وكما يمكنني أن أورد أرقاما عديدة أخرى تظهر المستوى الحالي لعلاقاتنا الاقتصادية. لكني اعتقد أن ما قلته يكوِّن فكرة واسعة عن علاقاتنا لدى كل شخص.
وعليه فاننا اتخذنا خطوات كبيرة جديدة لتطوير العلاقات المستقبلي بين بلدينا على أساس لقاءاتنا والوثائق التي وقعنا عليها امس واليوم. وتجري اجتماعاتنا هنا في جو من الصداقة والحفاوة ونلقى جميعا هنا حسن الضيافة.
وأجريت حديثا شيقا جدا اليوم في اجتماعي مع ملكة المملكة المتحدة. وأعتبر هذا حدثا تاريخيا بالنسبة لنفسي والشعب الأذربيجاني.
وان لقائي ومحادثاتي مع السيد توني بلير رئيس وزراء بلدكم جرت في جو عملي وودي جدا تناولت المزيد من المسائل. حيث اننا قمنا بتحليل العلاقات القائمة بين بلدينا واتخذنا قرارات مشتركة حول أعمالنا المستقبلية. لقد أعار رئيس الوزراء اهتماما بالغا لأذربيجان ومنطقة القوقاز وطريق النقل بين أوربا والقوقاز وآسيا. لقد أنشئت علاقات ودية بيني وبين رئيس الوزراء نتيجة لمحادثاتنا هذه واني أقدر هذا عاليا وأعتقد أن هذا مهم جدا لتطوير بلدينا في المستقبل.
هذا فاني وتوني بلير رئيس الوزراء وقعنا على بيان سياسي مكرس لتطوير الصداقة والتعاون بين حكومتينا. وكان هذا البيان يتناول جميع مجالات تعاوننا وكان يضم نصوصا لازمة حول التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإنسانية. هذا فاننا ركزنا انتباهنا أثناء المحادثات على تعاوننا الاقتصادي من جهة، وأعربنا عن تطابق أفكارنا حول توسيع وتطوير تعاوننا في المجال السياسي من جهة أخرى.
مع هذا فانه تم التوقيع في مقر رئيس الوزراء على ٤ معاهدات، وثائق هامة بين بلدكم وأذربيجان. أما المعاهدة الموقعة بين شركة “BP” وشركة النفط الحكومية الأذربيجانية فلها مستقبل عظيم. ان المعاهدة الموقعة حول قيام “BP” بعمل مشترك مع شركة النفط الحكومية الأذربيجانية في ٣ حقول كبيرة في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين، أقول مجددا، لها مستقبل كبير. فيما يخص المعاهدات الموقعة حتى الآن بين "بريتش بتروليوم" وأذربيجان فأعتقد أنها سوف توفر تعاوننا الاقتصادي حتى نهاية القرن الواحد والعشرين.
ويسرني جدا أن شركة "مونيومينت" الحديثة التأسيس هي الأخرى شغلت مكانها الخاص في أذربيجان إلى جانب شركة “BP” العملاقة وتم التوقيع على المعاهدة بالغة الأهمية بينها وبين شركة النفط الحكومية الأذربيجانية. أما شركة "رامكو" فتعمل في أذربيجان فعلا. لكنها أعربت عن نيتها في الاستغلال المشترك لمكمن "مراد خانلي" الذي هو مكمن قديم وواعد جدا في البر لأذربيجان وذلك إلى جانب قيامها بهذا العمل في البحر، ووقعوا اليوم على المعاهدة في هذا الصدد مع شركة النفط الحكومية.
كما تعلمون أن برنامج الخصخصة يتم تحقيقها في اذربيجان بصورة متواصلة. وتتطور حاليا عملية تشكيل القطاع الخاص تطورا أسرع. من هذا المنطلق فان توقيع الاتفاقية بين شركة "مورسون" لبلدكم وبلدية مدينة باكو حول إنشاء فندق كبير ومركز أعمال في باكو دليل جلي على هذا.
عند حديثي عن النفط أريد ان أذكر أن اذربيجان بلد النفط منذ القدم وكان يستخرج في اذربيجان ٩٠ بالمائة من النفط في العالم في بداية القرن. والتقيت أمس مع ممثل شركة "شيل" حيث أحاطني علما بالتاريخ المائوي لهذه الشركة وأهدى إلي كتابا قيما جدا. وعرض عليَّ خارطة تظهر أن شركة "شيل" نقلت النفط من باكو إلى أوربا في سنة ١٨٩٢ لأول مرة عن طريق ناقلات النفط عبر البحر الأسود.
وساهمت أذربيجان بقسطها في مجال الانتصار على الفاشية في حرب سنوات ما بين ١٩٤١-١٩٤٥ عندما كانت في عداد الاتحاد السوفييتي. حيث أن ٧٠ بالمائة من النفط المستخرج في الاتحاد السوفييتي خلال تلك السنوات كان يستخرج في أذربيجان. كما ان استخراج النفط في أعماق المياه- في البحر بدأ في أذربيجان لأول مرة في العالم سنة ١٩٤٩.
لكننا نحتاج الآن إلى تقنية وتكنولوجيا عصرية واستثمارات. ونتخذ قرارات حول الاستغلال المشترك لحقول النفط والغاز الأذربيجانية لإقامة التعاون مع بلدكم والبلدان الأخرى. وأعتقد أن هذه القرارات مفيدة لكلا الطرفين.
وعليه فاننا ناقشنا هذه المسائل خلال هذه الأيام وسنناقشها في الأيام القادمة وسنتخذ تدابير لازمة لتطوير العلاقات بين بلدينا تطويرا أسرع.
أما بلدكم فله تقاليد قديمة وقيمة جدا. صحيح أنكم لا ترضون أحيانا بتقاليدكم هذه وتريدون أن تغيروها. وهذا شأنكم. لكننا نبدي احتراما كثيرا لجميع تقاليدكم ونريد أن نأخذ الأصلح منها لنا لتطبيقه في أذربيجان أيضا.
ونجري عملية بناء دولة قانونية وديموقراطية وعلمانية في أذربيجان. وننشئ ونطور اقتصاد السوق ونحقق برنامج الخصخصة في أذربيجان. واننا أنجزنا المزيد من الأعمال واستخلصنا النتائج الحسنة في هذا المجال. ويتطور الاقتصاد فعلا في بلدنا. لكنا علينا أن نتخذ أعمالا كثيرة أيضا. لذلك فاننا نسعى إلى أن نستفيد من خبرتكم سواء في المجال السياسي الاجتماعي أو في المجال الاقتصادي. لذلك فان هذه اللقاءات والاجتماعات تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لنا.
ان بلدينا بعيدان عن بعضهما البعض مسافة. لكن الأعمال المتخذة من قبل كلا الطرفين في السنوات الأخيرة جعلتنا نتقارب مع بعضنا البعض. ونقدر هذا إيجابيا ونريد أن ننشئ علاقات اوثق معكم وسوف لا ندخر جهودنا في هذا المجال أيضا.
ويواجه بلدكم أيضا عدة مشاكل. وان حكومتكم الجديدة المشكلة في السنة الماضي أنجزت المزيد من الأعمال في هذا المجال. واننا نتعرف بهذا مهتمين ببلدكم وأني أهنئكم على إنجازاتكم. ولا يخالجني الشك بأنكم ستستطيعون معالجة كل المشاكل في المستقبل أيضا.
ان المملكة المتحدة من الدول العظمى في العالم وهي في صفوف البلدان الأكثر تطورا اقتصاديا. لكم تأريخ كبير وانجازات كبيرة. وأتمنى أن يزداد بلدكم نموا.
وأتمنى لكل منكم نجاحات جديدة وجديدة مدى حياتكم. وأتمنى لبلدكم وشعبكم السلام والأمان. وأتمنى أن تتطور العلاقات بشكل أسرع بين المملكة المتحدة وأذربيجان.
أرجوكم أن نشرب نخب المملكة المتحدة وشعب هذا البلد. نخب ملكة المملكة المتحدة وحكومتها! ونخب التطور المستقبلي للعلاقات بين المملكة المتحدة وأذربيجان! نخب اللورد رئيس بلدية مدينة لندن وقرينتها! الأصدقاء الكرام، على شرفكم! شكرا لكم. أتمنى مرة أخرى لكم الصحة والسعادة.
"حيدر علييف: استقلالنا أبدي" (كلمات وخطابات وتصريحات وأحاديث صحفية وكتابات ونداءات ومراسيم) - دار الطباعة الأذربيجانية، باكو -٢٠٠٥، المجلج الـ١٦، ص.٣٧٥