خطاب حيدر علييف الرئيس الآذربيجاني في الحفلة الرسمية التي أقامتها السفارة المصرية في باكو في فندق "أوربا" بمناسبة يوم الثورة - العيد الوطني لجمهورية مصر العربية - ٢٣ يوليو عام ٢۰۰٢
السيدة السفيرة المحترمة!
السيدات والسادة الكرام!
اني أهنئكم من صميم القلب بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة ٢٣ يوليو - العيد الوطني المصري. واتمنى لكم وللشعب المصري الشقيق السلام والامان والرفاهية.
ان ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ في مصر كانت احدى من اكبر أحداث تاريخية للقرن العشرين. ان الشعوب التي كانت تعيش في نير الاستعمار خلال مدة طويلة بدأت تتفكرون في استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب العالمية الثانية بالذات بدأت تنهار الامبراطوريات الاستعمارية الكبيرة الموجودة حتى هذا الحين في العالم. بدأت الانتفاضات والنضالات ضد نظام الاستعمار في عدد كثير من مناطق الكرة الارضية بالكاد. من بينها تحتل الثورة المصرية في عام ١٩٥٢ مكانا خاصا في العالمين العربي والاسلامي عامة. بقولي هذه الكلمات أتصور النضال والنزاعات والاحداث الجارية في منطقة قناة السويس وفي مصر وحولها في سنوات ١٩٥۰، ١٩٥١ و ١٩٥٢. عندما بدأت الثورة في تلك السنوات هناك كانما انفجرت قنبلة كبيرة في العالم. بدأ مجموعة الضباط المصريين تحت قيادة جمال عبد الناصر الراحل يخوضون النضال المستميت من أجل اقامة النظام العادل في البلد وتحرير الناس بعد انقلاب السلطة حينذاك. لكن الذين يقاومون ضد هذه الحركة - ليس فقط السلطات المحافظة في مصر، او، عامة، في البلدان العربية المجاورة، فحسب بل عديد من القوى الخارجية - كانوا يريدون الحيلولة دون نضال هؤلاء الناس الأبطال بسبب أهمية مصر الجيوسياسية وخاصة، قناة السويس.
يعلم الكثير منكم هذه من الكتب، بل وربما من الأفلام. لكني كنت من الاشخاص الذين كانوا يتابعون عن كثب هذه الأحداث حينذاك ويقرأون الصحف المطبوعة حينذاك ويهتمون بالوضع السائد في العالم، كذلك في تلك المنطقة. لأن هذا كان يتعلق كثيرا بمهمتي. ان إغلاق قناة السويس حينذاك من قبل المناضلين من اجل تحرير واستقلال مصر وعزمهم في تنفيذ خططهم رغم الضغوط القوية من قبل الدول الكبيرة التي كانت تستفيد من هذه القناة كان يعجب كل الناس في العالم.
يسعني ان اقول كثيرا حول هذا. لكن كل هذا أدى إلى انتصار الشعب المصري، وأشخاصه المتقدمين وجمال عبد الناصر الذي قاد ثورة مصر حينذاك وفي نهاية المطاف انتصروا. سيطروا على قناة السويس وانتخب جمال عبد الناصر رئيسا لمصر.
وكان الجميع - الشعب والدولة والحكومة في البلد الذي عشناه إلى جانب الثائرين في مصر وكانوا يؤيدونه. كانت أواخر سنوات الخمسينات. زار جمال عبد الناصر الاتحاد السوفييتي. واستقبلوا هذا كحدث كبير غير مسبوق به في تاريخ الاتحاد السوفييتي. وزار جمال عبد الناصر اثناء هذه الزيارة آذربيجان أيضا. واتذكر هذا الحدث، خرج باكو، آذربيجان برمتها لاستقباله. حتى يسعني ان أقول ان الميناء الجوي لبينا لم يكن في استطاعته ان يقبل الطائرات الكبيرة كالطائرة التي تقل جمال عبد الناصر. ان المطار الحربي في بلدة "ناسوس" كان في الوضع الحسن من هذه الوجهة، استقبل الطائرة. كانت كل أراضي ذلك المطار مليئة بالناس. كنت انا هنا أيضا.
أتذكر ان مئات ألوف من الناس كانوا يرحبون بجمال عبد الناصر في الطرق وجميع الشوارع - من هناك إلى المقر الذي خصص له - ذلك المقر كان مقرا حكوميا حاليا. أتذكر ان السيارة التي كانت تحمله كانت تتحرك ببطء احيانا، لأن الناس كانوا يوقفون السيارة ويريدون ان يرحبوا به ويروه.
اني اجد نفس سعيدا جدا لأني كنت حينذاك في باكو. كنت اشترك في مراسم استقبال جمال عبد الناصر وتعرفت عليه واشتركت في اللقاءات. وهذا يبقى في قلبي حتى الآن. بالطبع ان هذا كان احتجاج كل الشعب حينذاك ضد نظام الاستعمار والنير والامبريالية. في نفس الوقت كان دعم الشعوب للحركة التي بدأوها للحصول على الاستقلال. كان يدعمها حينذاك الشعب الآذربيجاني. كانوا يبدون محبة خاصة واحتراما خاصا لجمال عبد الناصر لأنهاتخذ موقفا منفردا كثيرا في هذه الأحداث.
ان الذين شاهدوه يعلمون انه كان رجلا جميلا وطويل القامة . كانت تظهر من وجهه الملامح العربية، كذلك ملامح الانسان المثقف. عند وفاته ايضا حزنا جميعا في الاتحاد السوفييتي، وكذلك في آذربيجان. وأذكر اني زرت مقبرته عندما سافرت الى مصر عام ١٩٧٣- استغرقت زيارتي ٨ - ٩ ايام وكنت أرأس الوفد السوفييتي الكبير. قبره في مسجد في القاهرة. هل أقول الوقائع التاريخية صحيحا؟ بعده تولى رئاسة جمهورية مصر العربية انور السادات رجل السياسة الفذ وأحد من زملاء جمال عبد الناصر. انه اتخذ مزيدا من الاعمال الكبيرة. لكن مع الأسف، اغتيل نتيجة الإرهاب. ولا أريد ان أضيق وقتكم. إني تركزت في هذه فقط لأبلغكم بداية هذه الثورة وسماتها المنفردة.
مما يسرني هو أن ذلك الجيل، اي جيل الناس الوطنيين الناشئين حينذاك لا يزال موجودا. بعد اغتيال انور السادات انتخب الرئيس الحالي السيد حسني مبارك الذي احترمه كثيرا رئيسا لمصر. كان حسني مبارك أيضا الى جانب جمال عبد الناصر وانور السادات وكان حينذاك وزير الدفاع المصري.
لقد قلت انني كنت في مصر عام ١٩٧٣. حينذاك التقيت بأنور السادات الراحل. وذكرت انني زرت مقبرة جمال عبد الناصر. ثم اجريت لقاءات ومحادثات كرئيس آذربيجان المستقلة عدة مرات مع صديقي المحترم حسني مبارك في مصر، في عدة منظمات دولية. ان كل لقاءاتنا ومفاوضاتنا هذه كانت حول العلاقات وتوسيعها بين مصر وآذربيجان.
دعوت الرئيس حسني مبارك الى آذربيجان. ودعاني هو الآخر الى زيارة رسمية لمصر في عدة لقاءاتنا - عندما كنت في القاهرة في عام ١٩٩٤ وفي لقاءاتنا التالية. لكن لم يلب دعوتي ولا انا ألب دعوته. لكني اعتقد انه علي ان ألبي دعوته وأجد وقتا مناسبا للقيام بزيارة رسمية لمصر.
كما ترون، فإني كرست وقتا كثيرا للتأريخ. لكن هذا ضروري. لأن هذا اليوم، اليوم المذكور، اي ثورة ٢٣ يوليو بمصر - كما قلت في مطلع خطابي - هو من اكبر واهم احداث في تاريخ القرن العشرين. وعلينا ان نحفظ هذا في ذاكرتنا دائما ونقدرها.
بين مصر وآذربيجان علاقات الصداقة الطيبة والتعاون المفيد المتبادل. اننا نبدي اهمية خاصة لهذه العلاقات في آذربيجان. ونعتقد انه علينا ان نوسع علاقاتنا. لهذا لدينا امكانيات أيضا. وأظن اننا سنستطيع نوسيع علاقاتنا هذه في السنوات المقبلة.
واهنئكم مرة اخرى بمناسبة هذا العيد. واريد ان اعلن انني حضرت للمرة الثانية حفلتكم المكرسة لعيدكم في هذه القاعة. وحضرت هنا لأول مرة قبلكم في عهد السفير السابق.
عندما دعوتموني، لعلكم لستم على ثقة من اني سأزور. لكن لا يمكنني الا احضر هذا العيد اليوم ولو لدي كثرة من الاعمال. اني القيت هنا خطابا مفصلا حول ثورة مصر.
ولا يمكنني بالتأكيد الا أحضر هنا ولا احتفل بمثل هذا الحدث مع السفارة المصرية ولا أذكر ما يتعلق به من الأحداث ولا اتحدث انتهازا من هذا الحدث وهذا اليوم حول علاقاتنا.
أهنئكم مرة اخرى. وأرجوكم ان تبلغوا تهانيني صديقي العزيز الرئيس حسني مبارك. واتمنى لكم ولشعبكم مرة اخرى السلام والاستقرار.